{ مثل الحياة الدنيا }
فَقِهَهُ معكم : الدكتور عثمان قدري مكانسي
بسم الله الرحمن الرحيم
{ واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح وكان الله على كل شي مقتدراً }.
كثيرا ما يضرب الله مثل الحياة الدنيا بهذا المثل:
1- كما قال تعالى في سورة يونس :{ إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام } الآية
2- وقال سبحانه في الزمر: { ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الأرض ثم يُخرج به زرعا مختلفا ألوانه } الآية
3- وقال عز وجل في سورة الحديد : { اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ...} الآية
4- وفي الحديث الصحيح : ( الدنيا خَضِرة حلوة ).
5- وقالت الحكماء : إنما شبه تعالى الدنيا بالماء لأن الماء لا يستقر في موضع , كذلك الدنيا لا تـُبقى على واحد, ولأن الماء لا يستقيم على حالة واحدة كذلك الدنيا , ولأن الماء لا يبقى ويذهب كذلك الدنيا تفنى , ولأن الماء لا يقدر أحد أن يدخله دون أن يبتل كذلك الدنيا لا يسلم أحد دخلها من فتنتها وآفتها , ولأن الماء إذا كان بقدر كان نافعا مُنبِتا , وإذا جاوز المقدار كان ضارا مهلكا كذلك الدنيا: الكفاف منها ينفع وفضولها يضر . وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم قال له رجل : يا رسول الله , إني أريد أن أكون من الفائزين ; قال :
( ذر الدنيا وخذ منها كالماء الراكد فإن القليل منها يكفي والكثير منها يُطغي ) .
وفي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم :
( قد أفلح من أسلم ورزق كَفافا وقنّعه الله بما آتاه ) .
6- { المال والبنون زينة الحياة الدنيا } كقوله :
{ زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب ....} الآية وقال تعالى :
{ إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجر عظيم } فالإقبال عليه والتفرغ لعبادته خير لكم من اشتغالكم بهم والجمعِ لهم والشفقةِ المفرطة عليهم ولهذا قال :
{ والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا }.
7- قال ابن عباس وسعيد بن جبير وغيرهما: الباقيات الصالحات الصلوات الخمس
8- وقال عطاء بن أبي رباح وسعيد بن جبير عن ابن عباس : الباقيات الصالحات سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر
9- سئل أمير المؤمنين عثمان بن عفان عن الباقيات الصالحات ما هي ؟ فقال : هي لا إله إلا الله وسبحان الله والحمد لله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
10- جلس عثمان يوما وجلسنا معه فجاءه المؤذن فدعا بماء في إناء أظنه سيكون فيه مد فتوضأ ثم قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ وضوئي هذا ثم قال :
( من توضأ وضوئي هذا ثم قام فصلى صلاة الظهر غفر له ما كان بينها وبين الصبح ثم صلى العصر غفر له ما بينها وبين الظهر ثم صلى المغرب غفر له ما بينها وبين العصر ثم صلى العشاء غفر له ما بينها وبين المغرب ثم لعله يبيت يتمرغ ليلته ثم إن قام فتوضأ وصلى صلاة الصبح غفر له ما بينها وبين صلاة العشاء وهن الحسنات يذهبن السيئات )
11- قالوا هذه الحسنات فما الباقيات الصالحات يا عثمان ؟ قال : هي لا إله إلا الله وسبحان الله والحمد لله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
12- وعن أبي سعيد الخُدريّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
( استكثروا من الباقيات الصالحات )
قيل وما هن يا رسول الله ؟
قال: ( الملة )
قيل وما هي يا رسول الله ؟
قال التكبير والتهليل والتسبيح والحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله ) رواه أحمد .
13- عن أيوب الأنصاري أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم هو يقول :
( عرج بي إلى السماء فرأيت إبراهيم عليه السلام فقال يا جبريل من هذا الذي معك ؟ فقال محمد فرحب بي وسلم ثم قال مُرْ أمتك فلتكثر من غراس الجنة، فإن تربتها طيبة وأرضها واسعة فقلت وما غراس الجنة قال لا حول ولا قوة إلا بالله ).
14- وعن شداد بن أوس رضي الله أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
( إذا كنز الناس الذهب والفضة فاكنزوا أنتم هؤلاء الكلمات : اللهم إني أسألك الثبات في الأمر والعزيمةَ على الرشد وأسألك شكر نعمتك وأسألك حسن عبادتك وأسألك قلبا سليما وأسألك لسانا صادقا وأسألك من خير ما تعلم وأعوذ بك من شر ما تعلم وأستغفرك لما تعلم إنك أنت علام الغيوب ).
15 ـ { ويوم نسيّر الجبال وترى الأرض بارزة وحشرناهم فلم نغادر منهم أحداً }
وهنا يخبر تعالى عن أهوال يوم القيامة وما يكون فيه من الأمور العظام، فيقول :
أ ـ { يوم تمور السماء مورا وتسير الجبال سيرا } إنها تذهب من أماكنها وتزول والموران التخرك القويّ السريع "
ب - { وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب }
جـ - { وتكون الجبال كالعهن المنفوش }
د- { ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا فيذرها قاعا صفصفا لا ترى فيها عوجا ولا أمتا } إنّ الجبال تضمحل وتتساوى المهاد وتبقى الأرض قاعا صفصفا (سطحا مستويا) لا عوج فيه ولا أمتا (لا واديَ ولا جبل) وانظر قوله تعالى:
{ وترى الأرض بارزة } (بادية ظاهرة) ليس فيها مَعْلم لأحد ولا مكان يواري أحدا فالخلق كلهم ضاحون لربهم لا تخفى عليه منهم خافية.
16- { وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا }
لقد جمعناهم الأولين منهم والآخرين فلم نترك منهم أحدا (صغيرا ولا كبير) ألم يقل عز وجل :
{ قل إن الأولين والآخرين لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم } ويقلْ :
{ ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود } .
17-{ وعرضوا على ربك صفاً }
فهو تبارك وتعالى ينادي يوم القيامة بصوت يسمعه الجميع: يا عبادي أنا الله لا إله إلا أنا أرحم الراحمين وأحكم الحاكمين وأسرع الحاسبين يا عبادي لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون أحضروا حُجتكم ويسّروا جوابا فإنكم مسئولون محاسبون. يا ملائكتي أقيموا عبادي صفوفا على أطراف أنامل أقدامهم للحساب .
18- { لقد جئتمونا كما خلقناكم اول مرة }
لقد جئتمونا حفاة عراة , لا مال معكم ولا ولدَ ،بل فرادى ، ألم يقلْ سبحانه :
{ ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة } [ الأنعام : 94 ] .
19- { بل زعمتم أن لن نجعل لكم موعداً }
هذا خطاب لمنكري البعث فقد زعموا أنهم لن يُبعثوا وأن لن يجعل الله لهم موعدا للبعث . وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
( يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلا )
قلت : يا رسول الله آلرجال والنساء ينظر بعضهم إلى بعض ؟
قال : ( يا عائشة , الأمر أشد من أن ينظر بعضهم إلى بعض ) .
" غرلا " غيرَ مختونين
20- { ووضع الكتاب } كتاب الأعمال الذي فيه الجليل والحقير والفتيل والقطمير والنقير (والثفروق) والصغير والكبير
{ فترى المجرمين مشفقين } خائفين من أعمالهم السيئة وأفعالهم القبيحة { ويقولون يا ويلتنا } و يا حسرتنا ويا ويلنا على ما فرط في أعمارنا "
21- { ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها } فهو لا يترك ذنبا صغيرا ولا كبيرا ولا عملا وإن صغر إلا أحصاها وضبطها وحفظها . وروى الطبراني عن سعد ابن جنادة قال : لما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة حنين نزلنا قفرا من الأرض ليس فيه شيء فقال النبي صلى الله عليه وسلم :
( اجمعوا، من وجد عودا فليأت به ومن وجد حطبا أو شيئا فليأت به )
قال فما كان إلا ساعة حتى جعلناه ركاما فقال النبي صلى الله عليه وسلم :
( أترون هذا ؟ فكذلك تجمع الذنوب على الرجل منكم كما جمعتم هذا فليتق الله رجلٌ ولا يذنبْ صغيرة ولا كبيرة فإنها مُحصاة عليه ) .
22- وقوله : { ووجدوا ما عملوا حاضرا } من خير وشر،
أ- ـ فقد قال تعالى : { يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا... }
ب- ـ وقال تعالى : { ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر }
ت- ـ وقال تعالى : { يوم تبلى السرائر } فتظهر المخبآت والضمائر، ولا يجوز على الله شيء.
ث- ـ فعن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
( لكل غادر لواء يوم القيامة يعرف به ) أخرجاه في الصحيحين وفي لفظ :
( يرفع لكل غادر لواء يوم القيامة عند استه بقدر غدرته يقال هذه غدرة فلان بن فلان ).
23- { ولا يظلم ربك أحدا } فيحكم بين عباده في أعمالهم جميعا ولا يظلم أحدا من خلقه بل يعفو ويصفح ويغفر ويرحم ويعذب من يشاء بقدرته وحكمته وعدله ويملأ النار من الكفار وأصحاب المعاصي ثم ينجي أصحاب المعاصي ويُخلّد فيها الكافرين.
أ- ـ وهو الحاكم الذي لا يجور ولا يظلم قال تعالى { إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ...} الآية
ب- ـ وقال : { ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين }.
ت- ـ وقال الإمام أحمد : حدثنا يزيد أخبرنا همام بن يحيى عن القاسم بن عبد الواحد المكي عن عبد الله بن محمد بن عقيل أنه سمع جابر بن عبد الله يقول :
بلغني حديث عن رجل سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم فاشتريت بعيرا ثم شددت عليه رحلا فسرت عليه شهرا حتى قدمت عليه الشام فإذا عبد الله بن أنيس فقلت للبواب قل له جابر على الباب فقال ابن عبد الله : قلت نعم فخرج يطأ ثوبه فاعتنقني واعتنقته فقلت حديث بلغني عنك أنك سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم في القصاص فخشيت أن تموت أو أموت قبل أن أسمعه فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
( يحشر الله عز وجل الناس يوم القيامة - أو قال العباد - عراة غرلا بهما )
قلت وما بهما ؟
قال : ( ليس معهم شيء ثم يناديهم بصوت يسمعه مَن بَعُد كما يسمعه مَن قَرُب : أنا الملك أنا الديان لا ينبغي لأحد من أهل النار أن يدخل النار وله عند أحد من أهل الجنة حق حتى أقضيه منه ولا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة وله عند رجل من أهل النار حق حتى أقضيه منه حتى اللطمة )
قال : قلنا كيف وإنما نأتي الله عز وجل حفاة عراة غرلا بهما ؟
قال : ( بالحسنات والسيئات ).
ث- ـ وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
( إن الجماء لتقتص من القرناء يوم القيامة ) رواه عبد الله بن الإمام أحمد .
فَقِهَهُ معكم : الدكتور عثمان قدري مكانسي
بسم الله الرحمن الرحيم
{ واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح وكان الله على كل شي مقتدراً }.
كثيرا ما يضرب الله مثل الحياة الدنيا بهذا المثل:
1- كما قال تعالى في سورة يونس :{ إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام } الآية
2- وقال سبحانه في الزمر: { ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الأرض ثم يُخرج به زرعا مختلفا ألوانه } الآية
3- وقال عز وجل في سورة الحديد : { اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ...} الآية
4- وفي الحديث الصحيح : ( الدنيا خَضِرة حلوة ).
5- وقالت الحكماء : إنما شبه تعالى الدنيا بالماء لأن الماء لا يستقر في موضع , كذلك الدنيا لا تـُبقى على واحد, ولأن الماء لا يستقيم على حالة واحدة كذلك الدنيا , ولأن الماء لا يبقى ويذهب كذلك الدنيا تفنى , ولأن الماء لا يقدر أحد أن يدخله دون أن يبتل كذلك الدنيا لا يسلم أحد دخلها من فتنتها وآفتها , ولأن الماء إذا كان بقدر كان نافعا مُنبِتا , وإذا جاوز المقدار كان ضارا مهلكا كذلك الدنيا: الكفاف منها ينفع وفضولها يضر . وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم قال له رجل : يا رسول الله , إني أريد أن أكون من الفائزين ; قال :
( ذر الدنيا وخذ منها كالماء الراكد فإن القليل منها يكفي والكثير منها يُطغي ) .
وفي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم :
( قد أفلح من أسلم ورزق كَفافا وقنّعه الله بما آتاه ) .
6- { المال والبنون زينة الحياة الدنيا } كقوله :
{ زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب ....} الآية وقال تعالى :
{ إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجر عظيم } فالإقبال عليه والتفرغ لعبادته خير لكم من اشتغالكم بهم والجمعِ لهم والشفقةِ المفرطة عليهم ولهذا قال :
{ والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا }.
7- قال ابن عباس وسعيد بن جبير وغيرهما: الباقيات الصالحات الصلوات الخمس
8- وقال عطاء بن أبي رباح وسعيد بن جبير عن ابن عباس : الباقيات الصالحات سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر
9- سئل أمير المؤمنين عثمان بن عفان عن الباقيات الصالحات ما هي ؟ فقال : هي لا إله إلا الله وسبحان الله والحمد لله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
10- جلس عثمان يوما وجلسنا معه فجاءه المؤذن فدعا بماء في إناء أظنه سيكون فيه مد فتوضأ ثم قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ وضوئي هذا ثم قال :
( من توضأ وضوئي هذا ثم قام فصلى صلاة الظهر غفر له ما كان بينها وبين الصبح ثم صلى العصر غفر له ما بينها وبين الظهر ثم صلى المغرب غفر له ما بينها وبين العصر ثم صلى العشاء غفر له ما بينها وبين المغرب ثم لعله يبيت يتمرغ ليلته ثم إن قام فتوضأ وصلى صلاة الصبح غفر له ما بينها وبين صلاة العشاء وهن الحسنات يذهبن السيئات )
11- قالوا هذه الحسنات فما الباقيات الصالحات يا عثمان ؟ قال : هي لا إله إلا الله وسبحان الله والحمد لله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
12- وعن أبي سعيد الخُدريّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
( استكثروا من الباقيات الصالحات )
قيل وما هن يا رسول الله ؟
قال: ( الملة )
قيل وما هي يا رسول الله ؟
قال التكبير والتهليل والتسبيح والحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله ) رواه أحمد .
13- عن أيوب الأنصاري أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم هو يقول :
( عرج بي إلى السماء فرأيت إبراهيم عليه السلام فقال يا جبريل من هذا الذي معك ؟ فقال محمد فرحب بي وسلم ثم قال مُرْ أمتك فلتكثر من غراس الجنة، فإن تربتها طيبة وأرضها واسعة فقلت وما غراس الجنة قال لا حول ولا قوة إلا بالله ).
14- وعن شداد بن أوس رضي الله أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
( إذا كنز الناس الذهب والفضة فاكنزوا أنتم هؤلاء الكلمات : اللهم إني أسألك الثبات في الأمر والعزيمةَ على الرشد وأسألك شكر نعمتك وأسألك حسن عبادتك وأسألك قلبا سليما وأسألك لسانا صادقا وأسألك من خير ما تعلم وأعوذ بك من شر ما تعلم وأستغفرك لما تعلم إنك أنت علام الغيوب ).
15 ـ { ويوم نسيّر الجبال وترى الأرض بارزة وحشرناهم فلم نغادر منهم أحداً }
وهنا يخبر تعالى عن أهوال يوم القيامة وما يكون فيه من الأمور العظام، فيقول :
أ ـ { يوم تمور السماء مورا وتسير الجبال سيرا } إنها تذهب من أماكنها وتزول والموران التخرك القويّ السريع "
ب - { وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب }
جـ - { وتكون الجبال كالعهن المنفوش }
د- { ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا فيذرها قاعا صفصفا لا ترى فيها عوجا ولا أمتا } إنّ الجبال تضمحل وتتساوى المهاد وتبقى الأرض قاعا صفصفا (سطحا مستويا) لا عوج فيه ولا أمتا (لا واديَ ولا جبل) وانظر قوله تعالى:
{ وترى الأرض بارزة } (بادية ظاهرة) ليس فيها مَعْلم لأحد ولا مكان يواري أحدا فالخلق كلهم ضاحون لربهم لا تخفى عليه منهم خافية.
16- { وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا }
لقد جمعناهم الأولين منهم والآخرين فلم نترك منهم أحدا (صغيرا ولا كبير) ألم يقل عز وجل :
{ قل إن الأولين والآخرين لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم } ويقلْ :
{ ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود } .
17-{ وعرضوا على ربك صفاً }
فهو تبارك وتعالى ينادي يوم القيامة بصوت يسمعه الجميع: يا عبادي أنا الله لا إله إلا أنا أرحم الراحمين وأحكم الحاكمين وأسرع الحاسبين يا عبادي لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون أحضروا حُجتكم ويسّروا جوابا فإنكم مسئولون محاسبون. يا ملائكتي أقيموا عبادي صفوفا على أطراف أنامل أقدامهم للحساب .
18- { لقد جئتمونا كما خلقناكم اول مرة }
لقد جئتمونا حفاة عراة , لا مال معكم ولا ولدَ ،بل فرادى ، ألم يقلْ سبحانه :
{ ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة } [ الأنعام : 94 ] .
19- { بل زعمتم أن لن نجعل لكم موعداً }
هذا خطاب لمنكري البعث فقد زعموا أنهم لن يُبعثوا وأن لن يجعل الله لهم موعدا للبعث . وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
( يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلا )
قلت : يا رسول الله آلرجال والنساء ينظر بعضهم إلى بعض ؟
قال : ( يا عائشة , الأمر أشد من أن ينظر بعضهم إلى بعض ) .
" غرلا " غيرَ مختونين
20- { ووضع الكتاب } كتاب الأعمال الذي فيه الجليل والحقير والفتيل والقطمير والنقير (والثفروق) والصغير والكبير
{ فترى المجرمين مشفقين } خائفين من أعمالهم السيئة وأفعالهم القبيحة { ويقولون يا ويلتنا } و يا حسرتنا ويا ويلنا على ما فرط في أعمارنا "
21- { ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها } فهو لا يترك ذنبا صغيرا ولا كبيرا ولا عملا وإن صغر إلا أحصاها وضبطها وحفظها . وروى الطبراني عن سعد ابن جنادة قال : لما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة حنين نزلنا قفرا من الأرض ليس فيه شيء فقال النبي صلى الله عليه وسلم :
( اجمعوا، من وجد عودا فليأت به ومن وجد حطبا أو شيئا فليأت به )
قال فما كان إلا ساعة حتى جعلناه ركاما فقال النبي صلى الله عليه وسلم :
( أترون هذا ؟ فكذلك تجمع الذنوب على الرجل منكم كما جمعتم هذا فليتق الله رجلٌ ولا يذنبْ صغيرة ولا كبيرة فإنها مُحصاة عليه ) .
22- وقوله : { ووجدوا ما عملوا حاضرا } من خير وشر،
أ- ـ فقد قال تعالى : { يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا... }
ب- ـ وقال تعالى : { ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر }
ت- ـ وقال تعالى : { يوم تبلى السرائر } فتظهر المخبآت والضمائر، ولا يجوز على الله شيء.
ث- ـ فعن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
( لكل غادر لواء يوم القيامة يعرف به ) أخرجاه في الصحيحين وفي لفظ :
( يرفع لكل غادر لواء يوم القيامة عند استه بقدر غدرته يقال هذه غدرة فلان بن فلان ).
23- { ولا يظلم ربك أحدا } فيحكم بين عباده في أعمالهم جميعا ولا يظلم أحدا من خلقه بل يعفو ويصفح ويغفر ويرحم ويعذب من يشاء بقدرته وحكمته وعدله ويملأ النار من الكفار وأصحاب المعاصي ثم ينجي أصحاب المعاصي ويُخلّد فيها الكافرين.
أ- ـ وهو الحاكم الذي لا يجور ولا يظلم قال تعالى { إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ...} الآية
ب- ـ وقال : { ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين }.
ت- ـ وقال الإمام أحمد : حدثنا يزيد أخبرنا همام بن يحيى عن القاسم بن عبد الواحد المكي عن عبد الله بن محمد بن عقيل أنه سمع جابر بن عبد الله يقول :
بلغني حديث عن رجل سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم فاشتريت بعيرا ثم شددت عليه رحلا فسرت عليه شهرا حتى قدمت عليه الشام فإذا عبد الله بن أنيس فقلت للبواب قل له جابر على الباب فقال ابن عبد الله : قلت نعم فخرج يطأ ثوبه فاعتنقني واعتنقته فقلت حديث بلغني عنك أنك سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم في القصاص فخشيت أن تموت أو أموت قبل أن أسمعه فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
( يحشر الله عز وجل الناس يوم القيامة - أو قال العباد - عراة غرلا بهما )
قلت وما بهما ؟
قال : ( ليس معهم شيء ثم يناديهم بصوت يسمعه مَن بَعُد كما يسمعه مَن قَرُب : أنا الملك أنا الديان لا ينبغي لأحد من أهل النار أن يدخل النار وله عند أحد من أهل الجنة حق حتى أقضيه منه ولا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة وله عند رجل من أهل النار حق حتى أقضيه منه حتى اللطمة )
قال : قلنا كيف وإنما نأتي الله عز وجل حفاة عراة غرلا بهما ؟
قال : ( بالحسنات والسيئات ).
ث- ـ وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
( إن الجماء لتقتص من القرناء يوم القيامة ) رواه عبد الله بن الإمام أحمد .