{ وآتاكم من كل ما سألتموه }
الدكتور عثمان قدري مكانسي
أقرأ قوله تعالى في سورة إبراهيم: { وآتاكم من كل ما سألتموه } فأقف برهة أتمعن في هذه الآية ، وكان قد خطر ببالي أن الله تعالى أعطانا كل ما سألناه ، أو ما قد يسأله أحدنا ، ثم أرى أن هذا المعنى ليس هو المقصود لأسباب منها:
1- أن كثيراً الناس يسألون أن تطوى لهم الأرض وأن يملكوا الدنيا كلها وأن يطيروا في الجو، وكثيرٌ يطلبون الخلود والقوة الجبارة والحجم العملاق ...... ولن يُجاب سُؤل هؤلاء . فليس لهذا خُلقوا .
2- وينبغي أن ننتبه إلى ( من التبعيضية) { من كل ما سألتموه } الدالة على أن الله تعالى آتانا مما سألناه ما ييسر لنا حياتنا التي نعيشها ، ونظمها بما يناسب حياة البشر بنظام وأمن وأمان ، فسخر كل شيء لنا أرضاً وسماء وأنهاراً وثمرات وهواء ، وحواساً وجسماً متناسقاً فيه العقل والقلب والسمع والبصر
.. واقرأ الآيتين السابقتين لهذه الآية { وآتاكم من كل ما سألتموه } فقال مفصلاً نعم الله تعالى علينا :
{ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ ۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ ۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ (32) وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ ۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ (33)}(سورة إبراهيم).
3- ولعل شبه الجملة ( لكم) كررت أربع مرات بعد قوله تعالى : { فأخرج به من الثمرات رزقاً لكم }، وقدم عليها الفعل
{ سخّر } :
أ- ـ { وسخر لكم الفلك }
ب- ـ { وسخر لكم الأنهار }
ت- ـ { وسخر لكم الشمس والقمر }
ث- ـ { وسخر لكم الليل والنهار }
وكل هذه الآيات الكونية لخدمة الإنسان وتيسير حياته في المواصلات والتجارة ، والماءِ أسِّ الحياة سقايةً وزرعاً ، والشمسِ مضيئةِ النهار والقمرِ مضيء الليل وحسابِ الزمن والعمل والراحة ....كل شيء خلقه الله تعالى لجعل حياة البشر مستمرة ما شاء الله لها ان تستمر، ولنعلم فضل الله تعالى علينا أينما سرنا وكيفما نظرنا وأينما تقلبنا .
ولهذا يذكرنا سبحانه بنعمه الجليلة التي لا تعد ولا تحصى : { وإن تعدوا نعمة الله لا تُحصوها } ، والعدُّ هنا نوعان :
الأول : أن النعم تحيط بالمخلوق إحاطة السوار بالمعصم ، فهو يتقلب فيها متنعماً منها بالمزيد المتجدد، والأفضال المتصلة والخيرات المتتابعة التي لا تنفد. ولكونها متتابعة متجددة متصلة يعيشها المرء بكل ذرة من كيانه ، فهي أعظم ان تُعدّ ، وليس لمخلوق أن يُحصي نِعَم الخالق سبحانه.
الثاني : أن شكر المنعم واجب على ذوي القلوب المؤمنة والعقول الذكية والنفوس الأريبة ، ولا يطلب الله تعالى منا غير الشكر الحقيقي الذي لا يكلفنا فوق طاقتنا، فقد روي في الأثر أن داود عليه السلام قال (يا رب كيف أشكرك وشكري لك نعمة منك علي ؟ فقال الله تعالى الآن شكرتني يا داود حين اعترفت بالتقصير عن أداء شكر المنعم) ;
وقد روى أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إن اللهَ ليرضى عن العبدِ أن يأكلَ الأكلةَ فيحمدَه عليها.أو يشربَ الشربةَ فيحمدَه عليها )رواه مسلم في صحيحه. وكلما شكرنا الله على نعمه أوجب لنا نِعَماً أخرى . فما أكرم الخالق سبحانه وتعالى ، يعطي ويجود ولا يطلب من عبده بعد أن يتلذذ بنعمه إلا القليل من القول أو الفعل !
وقال الإمام الشافعي رحمه الله في المعنى نفسه : الحمد لله الذي لا تؤدى شكر نعمة من نعمه إلا بنعمة حادثة توجب على مؤديها شكرَه بها . فكان قوله يكتب بماء الذهب.
وقال الشاعر في المعنى نفسه :
لو كل جارحة مني لها لغة * تثني عليك بما أوليتَ من حَسَنِ
لكان ما زاد شكري إذ شكرْتُ به * إليك أبلغ في الإحسان والمِننِ
الدكتور عثمان قدري مكانسي
أقرأ قوله تعالى في سورة إبراهيم: { وآتاكم من كل ما سألتموه } فأقف برهة أتمعن في هذه الآية ، وكان قد خطر ببالي أن الله تعالى أعطانا كل ما سألناه ، أو ما قد يسأله أحدنا ، ثم أرى أن هذا المعنى ليس هو المقصود لأسباب منها:
1- أن كثيراً الناس يسألون أن تطوى لهم الأرض وأن يملكوا الدنيا كلها وأن يطيروا في الجو، وكثيرٌ يطلبون الخلود والقوة الجبارة والحجم العملاق ...... ولن يُجاب سُؤل هؤلاء . فليس لهذا خُلقوا .
2- وينبغي أن ننتبه إلى ( من التبعيضية) { من كل ما سألتموه } الدالة على أن الله تعالى آتانا مما سألناه ما ييسر لنا حياتنا التي نعيشها ، ونظمها بما يناسب حياة البشر بنظام وأمن وأمان ، فسخر كل شيء لنا أرضاً وسماء وأنهاراً وثمرات وهواء ، وحواساً وجسماً متناسقاً فيه العقل والقلب والسمع والبصر
.. واقرأ الآيتين السابقتين لهذه الآية { وآتاكم من كل ما سألتموه } فقال مفصلاً نعم الله تعالى علينا :
{ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ ۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ ۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ (32) وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ ۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ (33)}(سورة إبراهيم).
3- ولعل شبه الجملة ( لكم) كررت أربع مرات بعد قوله تعالى : { فأخرج به من الثمرات رزقاً لكم }، وقدم عليها الفعل
{ سخّر } :
أ- ـ { وسخر لكم الفلك }
ب- ـ { وسخر لكم الأنهار }
ت- ـ { وسخر لكم الشمس والقمر }
ث- ـ { وسخر لكم الليل والنهار }
وكل هذه الآيات الكونية لخدمة الإنسان وتيسير حياته في المواصلات والتجارة ، والماءِ أسِّ الحياة سقايةً وزرعاً ، والشمسِ مضيئةِ النهار والقمرِ مضيء الليل وحسابِ الزمن والعمل والراحة ....كل شيء خلقه الله تعالى لجعل حياة البشر مستمرة ما شاء الله لها ان تستمر، ولنعلم فضل الله تعالى علينا أينما سرنا وكيفما نظرنا وأينما تقلبنا .
ولهذا يذكرنا سبحانه بنعمه الجليلة التي لا تعد ولا تحصى : { وإن تعدوا نعمة الله لا تُحصوها } ، والعدُّ هنا نوعان :
الأول : أن النعم تحيط بالمخلوق إحاطة السوار بالمعصم ، فهو يتقلب فيها متنعماً منها بالمزيد المتجدد، والأفضال المتصلة والخيرات المتتابعة التي لا تنفد. ولكونها متتابعة متجددة متصلة يعيشها المرء بكل ذرة من كيانه ، فهي أعظم ان تُعدّ ، وليس لمخلوق أن يُحصي نِعَم الخالق سبحانه.
الثاني : أن شكر المنعم واجب على ذوي القلوب المؤمنة والعقول الذكية والنفوس الأريبة ، ولا يطلب الله تعالى منا غير الشكر الحقيقي الذي لا يكلفنا فوق طاقتنا، فقد روي في الأثر أن داود عليه السلام قال (يا رب كيف أشكرك وشكري لك نعمة منك علي ؟ فقال الله تعالى الآن شكرتني يا داود حين اعترفت بالتقصير عن أداء شكر المنعم) ;
وقد روى أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إن اللهَ ليرضى عن العبدِ أن يأكلَ الأكلةَ فيحمدَه عليها.أو يشربَ الشربةَ فيحمدَه عليها )رواه مسلم في صحيحه. وكلما شكرنا الله على نعمه أوجب لنا نِعَماً أخرى . فما أكرم الخالق سبحانه وتعالى ، يعطي ويجود ولا يطلب من عبده بعد أن يتلذذ بنعمه إلا القليل من القول أو الفعل !
وقال الإمام الشافعي رحمه الله في المعنى نفسه : الحمد لله الذي لا تؤدى شكر نعمة من نعمه إلا بنعمة حادثة توجب على مؤديها شكرَه بها . فكان قوله يكتب بماء الذهب.
وقال الشاعر في المعنى نفسه :
لو كل جارحة مني لها لغة * تثني عليك بما أوليتَ من حَسَنِ
لكان ما زاد شكري إذ شكرْتُ به * إليك أبلغ في الإحسان والمِننِ