يا مرحباً زين الشهور ، ها قد أتى بالسرور ، محملاً طيف الزهور ، في جعبته الكثير من الأجور ،معلناً عن شمس الوفود .
بلوغ رمضان نعمة من نعم الله التي لا تحصى ، وعدم اغتنامه من الأمور العظمى ، لا يشعر بقيمته إلا من ذاق حلاوة سعيه ، فجاهد بنفسه وماله في سبيل رفعته فنسأل الله أن يبلغنا رمضان ونحن على أفضل حال .
المسلم المؤمن العاقل إذ لم يستعد تمام الاستعداد بهذا الشهر الفضيل ، ولم يقدر فضائل هذا الموسم الروحاني اليسير ، فكيف بحاله في بقية شهور السنين ، فلنكبر جميعاً أربعاً لوفاة ذلك المسكين ،فقد خسر فضائل شهره، وابتعد عن طاعات ربه ، فكيف له بتبديل حاله ، وتغير نفسه وذاته وعودته لأكناف ربه . فاغتنم يا رعاك الله أيام رمضان ،فإنما هي أيام قلال ، فشد المئزر واعمل بجد واخلاص .
ومن هنا كان من واجبنا تبين الناس كيفية الاستعداد لشهر رمضان ، لتتوق النفس بالجنان ، وتسعى بها في شهر رمضان ، نحو الأعالي والجبال .
فمن الأمور العظام ، على المسلم أن يحرص المسلم على فعله في شهر شعبان ،التزود بالعلم ومعرفة أحكام الصيام وفضل رمضان والقيام ، وكان عليه أن يكثر من صيام شهر شعبان لما له من فضل ، وإبراء الذمة من الصيام الواجب بما فاته من رمضان الماضي، فيقبل على شهر رمضان بكل جد واجتهاد .
الاكثار من الدعاء بتبليغ رمضان وقبول الأعمال والطاعات وقد ورد عن بعض السلف أنهم كانوا يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان ،ثم يدعونه خمسة أشهربعدها حتى يتقبل منهم .
كذلك على المسلم أن ينوي في شهر شعبان بأن يكثر من ختم القرآن في رمضان أكثر من مرة بتدبر وتفكر وعمل، وكما أن القرآن له خصوصية في رمضانفعلينا أن نوليه اهتمامنا ونكثر من الختمات . وكان السلف – رحمهم الله - يهتمون في رمضان بالقرآن ، فكانوا إذا دخل رمضان تركوا الحديث وأقبلوا على قراءة القرآن. ذكر ابن رجب -رحمه- الله أن للشافعي في رمضان ستون ختمة يقرؤها في غير الصلاة، أو زيادة على ما يقرأ في الصلاة، فمعنى ذلك: أنه يختم في الليل مرة وفي النهار مرة، في كل ليلة يختم، وفي كل نهار يختم، حتى يختم الستين ختمة. وكان كثير منهم يختمون القرآن في كل ثلاث ليال، فإذا دخلرمضان ختموه في العشرين الأولى في كل يومين، فإذا كان في العشر الأواخر ختموه في كل يوم مرة. فلا تعجب أخي القارئ ، فإنهم أخلصوا نياتهم لله أيما إخلاص ، وحفظوه عن ظهر قلب ، فيسر الله لهم اللسان وأطلقهوه بكل سهولة واتقان ، فكان بهم أن يبارك الله لهم وفي وقتهم وفي اللسان . اقتفي أثر السلف و اجعلهم نصب عينيك ، فكم ستختم القرآن في هذا رمضان!!.
البعد عن ارتكاب المحرمات والنيات السيئات لفعل المعاصي والموبقات ، كأن تنوي بمتابعة مسلسلات وأفلام معينة تعرض فقط في شهر رمضان بعد الإفطار ، ولا سيما أنها لا تخلو من المحظورات والأمور المحرمة ، ظن البعض أن الصيام فقط في نهار رمضان . فكيف للمسلم العاقل الانشغال عن الطاعات واستبدالها ببرامج مهلكات ومفسدات للصيام والأوقات .
جعل هذا الشهر بداية انطلاقة للخيربتغير الذات والسلوك نحو الخير وإلى الأبد بإذن الله ،والمسارعة لكسب أكبر قدر ممكن من الحسنات بفعل الطاعات والعبادات والواجبات ، وتصحيح السلوك والأخلاق والمعاملات ،واغتنام شهر رمضان بتضاعف الأجور والحسنات .
الطاعات والواجبات كثيرة جداً ،ولكن ننبه عن أمور قد يغفل عنها الكثير ، فأولها قصد بيت الله الحرام لأداء العمرة لما لها مزية ليست في غيره ، فقد جاء الترغيب فيها ، وبيان فضلها وثوابها ، وأنها تعدل حجة في الأجر والثواب ، ففي "الصحيحين" من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال لأم سنان الأنصارية حين لم يكتب لها الحج معه صلى الله عليه وسلم: (فعمرة في رمضان تقضي حجة، أو حجة معي ) ،وفي روايةأحمد والترمذي : (عمرة في رمضان تعدل حجة ) .
ولا ننسى فضل الصدقة في رمضان ، فقد كان صلى الله عليه وسلم أجود ما يكون في شهر رمضان ،لاسيما أنه شهر الصيام ويصل فيه الجوع والعطش مبلغه ، فتصدق المحسنين على المحتاجين وإفطار الصائمين منهم ، يكون ذلك إعانة للمحتاجين على الطاعة في هذا الشهر ، وتفريج عن مسلم كربة وإدخال الفرح لذويهم وأطفالهم ، وضع أخي المسلم تضاعف الحسنات في رمضان نصب عينيك! .
ولا ينسى المسلم الفذ أن يستغل شهر رمضان لخدمة الدين والإسلام ونشره بين الناس ، والدعوة إلى الله بالقول والعمل الصالح ، كتخصيص مبلغ من راتبه الشخصي لطباعة بعض مطويات الصيام ونشر الأشرطة الإسلامية للأسروالأصدقاء وعلى أهل الحي والأحياء المجاورة ، وكتابة بعض المواضيع والرسائل و المطويات ونشرها في الشبكة العنكبوتية عبر المنتديات ، والتصدق على الفقراء والمحتاجين والأرامل والمساكين .
وأخيراً على المسلم العاقل اللبيب ، الذي عرف خصائص هذا الشهر الفضيل ،أن يستغل وقته بفعل الخير ، فيسارع للتوبة من الذنوب الماضية والسيئات السابقة والموبقات المرتكبة .
خطط جيدًا لأيام شهر رمضان وضع برنامج مليئ بالعبادة والطاعة والجدية بالالتزام به، واجلس مع الأهل والأطفال وناقشهم وخذ بالاقتراحات ، واجعل رمضانك بداية لانطلاقة جديدة لحياة سعيدة في رحاب الشريعة والعودة السديدة.
يا ذا الذي ما كفاه الذنب في رجب *** حتى عصى ربَّه في شهر شعبان
لقد أظلك شهرُ الصبر بعدهما *** فلا تصيِّر أيضاً شهرَ عصيان
واتل الكتاب وسبِّح فيه مجتهداً *** فإنه شهرُ تسبيحٍ وقرآن
فاللهم بلغنا رمضان !!
بقلم الشيخ سلطان الدغيلبي